Posted by : دعونا نتأمل يقول الروح الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013


. تأديب موسى للشعب :
رأى موسى الشعب وقد تعرى بسبب شره، وصار هزءًا بين مقاوميه [25]. لقد تشفع عن الشعب قبل أن يرى بعينيه الشر وقبل الرب شفاعته [14]، لكنه في نفس الوقت أمر بحزم كل الذين للرب – بني لاوي – أن يقتلوا أخوتهم الذين خارج أبواب خيامهم، فقتلوا في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل [28]. لقد أخطأ الشعب، وكان لابد من التأديب. فالذين دخلوا خيامهم في خجل من خطيتهم نادمين نجوا من السيف، والدليل على ذلك أنهم إذ اجتمعوا بموسى في اليوم التالي قال لهم: "أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة، فأصعد الآن إلى الرب لعلى أكفر خطيتكم" [20]، أما الذين لم يبالوا بما فعلوا وكانوا خارج خيامهم فقتلوا.
6. شفاعة موسى :
طلب الله من موسى أن يتركه ليحمي غضبه عليهم فيقتلهم [10] ويصيره شعبًا عظيمًا، ولكن القلب الأبوي رفض أن يترك شعبه – مهما بلغت قسوة قلوبهم – بل تشفع فيهم بقوة[1]، إذ قال: "الآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32]... وبقيت هذه الشفاعة ينبوعًا حيًا يستقي منه الرعاة والخدام الحب الأبوي إلى يومنا هذا. وفيما يلي بعض تعليقات الآباء على هذه الشفاعة:
[قال (الله لموسى) "أصيرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10)، لكنه لم يقبل، بل إلتصق بالخطاة وصلى من أجلهم. كيف أصلي؟ إنها علامة الحب يا إخوتي! كيف صلى؟ لاحظوا أن تصرفه كان كمن يحمل حنان الأم، الأمر الذي أتحدث عنه كثيرًا. لقد هدد الله الشعب الذي دنس المقدسات، لكن قلب موسى اللطيف ارتعب، معرضًا نفسه لغضب الله بسببهم، إذ قال: "يا رب، والآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32]. بهذا نظر إلى عدل الله ورحمته في نفس الوقت. فبكونه عادلاً لا يهلك الإنسان البار (أي موسى)، وبكونه رحيمًا يغفر للخطاة[2]].
[يا لقوة الحب! يا لكماله الذي يفوق كل  كمال!
العبد يكلم سيده بكل حرية، طالبًا العفو عن الشعب أو يهلك مع الجموع[3]].
[يا لعظم كماله، فإنه يود أن يموت مع الشعب ولا يخلص بمفرده![4]].
[يقول: سهل عليّ أن أهلك معهم عن أن أخلص بدونهم!
حقًا إنه حب حتى الجنون، إنه حب بلا حدود!
ماذا تقول يا موسى؟
أما تبالي بالسموات؟... نعم، فإني أحب الذين أخطأوا في حقي!
أتصلي أن يُمحي إسمك؟ نعم، فإنه ماذا أقدر أن أفعل أمام الحب[5]؟!].
[لقد نطق بهذا لكونه صديقًا لله، يحمل طابعه (الحب) [6]!].
[هكذا كان الاهتمام الأول للرجال العظماء النبلاء إنهم لا يطلبون ما لأنفسهم بل كل واحد ما لقريبه. بهذا ازدادوا ضياءًا وبهاءًا!
لقد صنع موسى عجائب وآيات كثيرة عظيمة، لكن أمر واحد جعله عظيمًا هكذا هو حديثه الطوباوي مع الله قائلاً: "إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني..."[7]].
[ماذا فعل موسى؟
أليس هذا هو الذي هرب بسبب خوفه من مصري واحد (فرعون) وذهب إلى منفى؟ ومع هذا فإن هذا الهارب الذي لم يحتمل تهديدات إنسان واحد، إذ ذاق عسل الحب بكل نبل ودون التزام من أحد تقدم ليموت مع محبوبيه قائلاً: "إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32][8]].
[هكذا هي أحشاء القديسين، أنهم يحسبون الموت مع أولادهم أعذب من الحياة بدونهم[9]].
يرى الآباء أيضًا أن موسى النبي كان متأكدًا من حب الله الذي يقبل شفاعته ولا يعرض حياته للموت، فيقول القديس أغسطينوس: [إذ عرف أنه يفعل ذلك أمام الرحيم الذي لن يمحِ إسمه قط إنما يغفر لهم من أجله[10]]. ويقول القديس أمبروسيوس: [لم يمحِ الله اسمه، بل فاضت عليه النعمة، إذ لم يوجد فيه شر[11]].

خلال هذا العمل صار موسى مثلاً حيًا للحب والوداعة والحلم حتى أن القديس يوحنا ذهبي الفم يرى في ظهوره مع إيليا عند تجلي السيد المسيح أمام تلاميذه، كان إعلانًا عما يجب أن يكون عليه التلاميذ من سمات فيحملون وداعة موسى وحلّمه الذي صرف غضب الله عن شعبه،وحزم إيليا وغيرته الذي طلب أن تحلّ المجاعة ثلاثة سنين ونصف للتأديب.
أما عن فاعلية شفاعة موسى في شعبه فيعلق عليها القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: [حقًا إن صلوات القديسين لها قوتها العظيمة بشرط توبتنا وإصلاحنا لنفوسنا. فإنه حتى موسى الذي أنقذ أخاه وستمائة ألف رجل من غضب الله لم يستطيع أن يخلص أخته[12]].
وفي حديث القديس جيروم عن شفاعة القديسين يقول: [إن كان رجل واحد أي موسى كسب صفحًا من الله عن ستمائة ألف رجل حرب، واستفانوس الشهيد المسيحي توسل طالبًا المغفرة عن مضطهديه، فهل عندما يدخل هؤلاء بحياتهم إلى المسيح تكون قوتهم أقل من هذا؟![13]].
أخيرًا، مع قبول شفاعة موسى للشعب يقول الله لموسى: "والآن إذهب إهدِ الشعب إلى حيث كلّمتك. هوذا ملاكي يسير أمامك، ولكن في يوم افتقادي أفتقد منهم خطيتهم" [34]، فضرب الرب الشعب، لأنهم صنعوا العجل [35].





[1] يرى القديس يوحنا الذهبي الفم ان الفرصة قد سنحت لموسى ليتخلص من هذا الشعب القاسي العنيد بأمر إلهي، لكنه كراعٍ قديس وأب محب لم يحتمل ولا قبل أن يتخلى عن أولاده الضعفاء ليبحث عن أولاد آخرين. هذا ما يليق براعي النفوس       On St. Johm, hom 13: 1..
[2] St. Augustine: Sermons on N.T. Lessons, 38: 24.
[3] St. Clement of Rome: Ep. 1: 53.
[4] St. Clem. Alex.: Strom 4: 19.
[5] Chrys,: In Eph, hom 7.
[6] Chrys.: In Rom. Hom 27.
[7]Chrys.: In 1 Cor, hom 25.
[8] Chrys.: In 1 Cor, hom 34.
[9] Chrys.: Conc. The Statues hom 3: 2.
[10] St. Augustine: On Ps. 78.
[11] St. Ambrose: On the Holy Spirit 3: 10.
[12] St. Chry.: In Matt, hom 5: 7.
[13] St. Jweome: Against Vigilantius, 6.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

Popular Post

Blogger templates

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

About

قائمة المدونات الإلكترونية

Seacrh By Labels

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Followers

Powered By Blogger

Advertisement

About

- Copyright © "دعونا نتأمل يقول الروح " -Metrominimalist- Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -